الميادين تحاور كريمة الشهيد أبو مهدي المهندس، منار جعفر، لتتحدث عن والدها كمقاوم وقائد، وسياسي، وأب.

إيران برس - الشرق الأوسط: أكدت ابنة الشهيد أبو مهدي المهندس، منار جعفر آل إبراهيم، أن حياة والدها، جمال جعفر، وهو اسمه الحقيقي، كانت مليئة بالمحطات والأزمات والإنجازات، إلا أن سمتها الأساسية هي الثبات على طريق الحقّ.

وفي حوار خاص مع الميادين، في الذكرى السنوية الأولى لاستشهاد القائدين قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، تحدثت منار عن العلاقة بين الشهيدين، كما قالت إنّ الحاج قاسم ’’كان يتميّز بالتواضع والحنان الكبير‘‘.

ونقلت منار عن والدها قوله إن الحاج سليماني كان مخلصاً ونقياً ولا يوجد أي شائبة عنده، كما أن الشهيد المهندس من جهته أيضاً كان مخلصاً جداً تجاه سليماني وكان يخشى على حياته جداً في العراق وخارجها.

وذكرت ابنة الشهيد المهندس أن والدها كان يردد دائماً أنه ’’لا يترك سليماني بين الذئاب، خاصةً بوجود السفارة الأميركية، بل هي قاعدة عسكرية، ومركز علميات ومركز تخطيط للاغتيال‘‘.

ورأت منار أنه ’’لولا وجود الشهيد سليماني ولولا السلاح والدعم الاستشاري الإيراني، ووجود مستشارين لبنانيين لما بقيت دولة عراقية‘‘، بحسب ما قالت ابنة الشهيد أبو مهدي المهندس للميادين، مشددةً على أن ’’العلاقة الروحانية بين الشهيدين تطوّرت خلال السنين، ووصلت إلى ذروتها مع هذه الشهادة‘‘.

وروت منار للميادين كيف وصل خبر استشهاد والدها للعائلة، وقالت إنه ’’في تلك الليلة لم نستطع النوم، وكنت أنا أصررت على الجميع أن نطفئ التلفزيون ونخلد إلى النوم، لكن أختي الصغيرة كانت قلقة جداً ولم تنم للصباح‘‘.

وأضافت: ’’جلست وانتظرت أذان الصبح، وكنت جالسة على سجادة الصلاة، فرأيت إشعارات متعددة من تطبيقات إخبارية على هاتفي، أحدها تطبيق الميادين، مكتوب عليها أبو مهدي كذا، سليماني كذا..‘‘.

وتابعت: ’’تحديداً على تطبيق الميادين، عندما قرأت العنوان قلت لنفسي ربّما أنا مرتبكة، لأدخل إلى الخبر.. وكانت هذه الصورة الثنائية المعروفة موجودة على الصفحة، وقرأت نبأ الاستشهاد وتأكّدت من ذلك لأن والدنا عادةً يتصل بنا عند حدوث أي شيء ليطمئننا، لكن في هذه الليلة لم يتصل‘‘.

وأشارت منار إلى أنه ’’في حينها، شعرت بنفسي كأنني كنت في خيمة دافئة وفجأة رُفعَت هذه الخيمة، لكن لأول مرة في كل حياتي شعرت بالعزّ بأعلى درجاته، يعني عزّ لا يوجد بعده عزّ، وشعرت بحزن لا يوجد بعده حزن‘‘.

وقالت: ’’كنت أجلس وحدي، ولأنه كان وقت الصلاة فكّرت أن أُيقظ أهلي واحداً واحداً ليصلّوا. ذهبت إلى أمي التي شعرت من صوتي أن حدثاً ما وقع، قلت لها ماما ليس هناك شيء فقط قومي للصلاة.. مباشرةً قالت أبوكِ استشهد؟ قلت لها بابا والحاج.. حتى أختي الثانية قلت لها قومي صلّي، قالت بابا استشهد؟ قلت لها نعم بابا والحاج استشهدا‘‘.

وحول تشييعه، أشارت منار إلى أن ’’أعداد الحشود التي حضرت كانت مفاجئة، رغم أنه لم يكن هناك دعوة جماهيرية‘‘.

كل الظروف قبيل الاغتيال كانت تشير للجريمة!

أكدت منار ابنة الشهيد أبو مهدي المهندس، أن الأخير كان يتوقع استشهاده في كل لحظة، كما أن عائلته كانت تتوقع استشهاده خاصةً خلال الأحداث الأخيرة في المنطقة والعراق تحديداً، إذ كانت السهام الأساسية موجهة على الحشد الشعبي خاصة بعد فتح معبر القائم والبوكمال.

وأوضحت للميادين أن ’’المقرّات التي استُهدفَت أثناء الاحتجاجات كانت للحشد‘‘، معتبرةً أن ’’كل هذه الهيبة والمكانة التي اكتسبها العراق بعد الانتصار على داعش في المنطقة وهذه الاستقلالية وتشكيل الدولة، تعرقل بسبب الاحتجاجات التي كان يُردد فيها نفس العبارات التي يستخدمها الأميركيون‘‘.

وأشارت إلى أنهم ’’حاولوا تفكيك الحشد وإثارة الفتن داخله، وتوجيه اتهامات ضده بأنه يقف ضد الشعب ومطالبه‘‘.

وقالت ابنه الشهيد المهندس، إنه ’’كان هناك محاولات لخلق حرب أهلية داخل العراق، لكن كل ذلك كان عملية مدروسة وفشلت، وبحسب دراستنا للموضوع، بحسب قراءاتنا لغرف الفكر الأميركية والإسرائيلية التي تُنشَر وليست شيء سرّي، أنّ كل المحاولات فشلت ولم يبقَ أي طريق، وفي النهاية حصلت محاولة الاغتيال هذه.. لذا كنا نشعر أن حياة والدنا مهددة‘‘.

وشددت على أن ’’الحشد الشعبي كان محطّ تركيز رئيسي وتعرّض لمؤامرات مختلفة، وكان التخطيط أن ينتهي المهندس لينتهي الحشد الشعبي، ولولا الوفاء لما بقي الحشد الشعبي‘‘.

ولفتت منار إلى أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب في لحظة الإعلان عن عملية الاغتيال ’’كان يصعب عليه التنفس‘‘، مؤكدة أن ’’عملية الاغتيال كانت أكبر من ترامب كرئيس أميركا، ولم يكن مختلفاً عن الذي قبله، وكل السياسات الأميركية كانت متكاملة بحقّ شعوب الشرق الأوسط‘‘.

وأشارت إلى أن ’’عملية الاغتيال أضرّت الدولة الأميركية، ومجيء جو بايدن لن يغير شيئاً‘‘.

المهندس في الحشد الشعبي

ابنة الشهيد المهندس، تحدثت للميادين عن دور والدها في الحشد الشعبي، وكشفت أنه ’’كتب رسالة معروفة إلى الكادر الجهادي في العراق دعاهم فيها إلى الالتحاق بالصفوف وشكّل مقر قيادة الحشد في بيته، وبقي المقرّ لشهور طويلة إلى أن شُكّل مقر آخر بعدها.

وحول عمليات الحشد ضد داعش وتحرير العراق، أشارت منار إلى أن ’’المعارك كانت شرسة جداً ولا أحد يتصوّر أنّ هذا التحرير الذي تمّ بفترة قياسية تمّ بسهولة تامة، وكانت العمليات تحتاج لدراسة دقيقة‘‘، موضحةً أن ’’عمليات التحرير بدأت في المناطق الحساسة، والشركات الأميركية التي كانت تدعم، انسحبت ومنعت إعطاء العتاد للعراق واشترطت أن تتغيّر حكومة المالكي لتقديم المساعدة، في الوقت الذي كان العراق مهدداً والدولة كانت على حافة الانهيار‘‘.

منار نوهت إلى أن ’’تحرير الأراضي العراقية بسرعة لم يكن ليتم من دون إسناد إيران التي لولاها لما تشكل الحشد الشعبي وتطور، وإسناد حزب الله اللبناني‘‘.

ورداً على السؤال حول ما الذي يمكن قوله حتى نؤكّد أن الشهيد لم يكن طائفياً ولا مذهبياً، بل كان عراقياً وطنياً وليس قائداً لحشد شعبي يوصَف بأنه شيعي؟ قالت منار: ’’هذا الشيء لست أنا مَن يُثبته، هذا موجود على الأرض، على العيان موجود، التاريخ يشهد له، الشعب العراقي يشهد له‘‘.

وأشارت إلى أن ’’الحشد الشعبي تأسس من كل المكونات لمواجهة الإرهاب عندما انهارت كل القوّة، وكان صمام أمان للعراقيين، ولم يؤمّن فقط بغداد، لم يحرر فقط آمرلي، لم يحرر فقط الطرق لزيارة كربلاء، بل حرر تكريت، مدينة صدّام حسين، التي حصلت فيها مجازر كبرى منها سبايكر، والتحرير تمّ بأقلّ خسائر ممكنة على البُنى التحتية، على عكس ما قامت به أميركا في الموصل إذ دمّرت كل البنى التحتية في المدينة‘‘.

ولفتت منار إلى أنه ’’قبل دخول تنظيم داعش، حرر الحشد ناحية العلم، الضلوعية، الفلّوجة، أمّن الحدود العراقية لمنع دخول الإرهابيين‘‘، مشددة على أن ’’المهندس نجح في جعل الحشد الشعبي مؤسسة قانونية ورسمية ليتفادى الأزمات الأخرى التي يمكن أن تحدث في العراق‘‘.

علاقة المهندس بنقاط محور المقاومة والقضية الفلسطينية

’’الكثير من أدوار المهندس في محور المقاومة لا زالت سرية وغير معلن عنها‘‘، بحسب ما تؤكد ابنته للميادين.

وأضافت منار أن والدها ’’ارتبط بنواة حزب الله منذ الثمانينيات يعني علاقته بالشهيد السيّد مصطفى بدر الدين وعلاقته بالشهيد القائد عماد مغنيّة بدأت من الثمانينيات، ومعرفته بالسيّد حسن نصرالله كانت منذ فترة معارضته لنظام صدّام حسين‘‘، موضحة أن ’’التعاون بين الطرفين تطور وصار عينياً أكثر خلال مشاركة فصائل المقاومة العراقية في مقاومة الإرهاب في سوريا إلى جانب حزب الله، كما تجسدت بشكل بارز أثناء مواجهة داعش وسقوط الموصل ودخول مستشاري حزب الله إلى العراق‘‘.

وقالت منار جعفر إن ’’دور المهندس في محور المقاومة أثار غضب الأميركيين، وفتح معبر البوكمال أغضبهم أكثر، حيث أن البوكمال كانت ضماناً لامتداد أو تأسيس جسر للمقاومة عبر العراق‘‘، معلنةً أن والدها كان يرى أن أي إنجاز في العراق هو تعزيز لمحور المقاومة‘‘.

وأشارت إلى أن الحشد الشعبي أسقط مشروع تقسيم العراق الذي كانت تدعمه ’’إسرائيل‘‘.

وفي هذا السياق، قالت: ’’كنت أسأل والدي لماذا نشارك في تظاهرات يوم القدس العالمي؟ كان يجيب بأن هذا واجب بالنسبة لنا، وتكليف، والتظاهرات هي إسناد ودعم معنوي للشعب الفلسطيني‘‘، لافتةً إلى أنه ’’رغم انشغالاته الكبيرة‘‘، كان الحشد ينظم تظاهرات يوم القدس العالمي.

سيرة حياة الشهيد المهندس والبُعد الإنساني في شخصيته

وتطرقت منار جعفر إلى مسيرة حياة والدها الشهيد، وقالت إنه انتمى في عمر الـ16 عاماً إلى مرجعية السيّد محمد باقر الصدر، وفي عام 1970 انتمى لحزب الدعوة، ’’ومن هنا واصل العمل وبدأت المواجهات‘‘.

منار أوضحت أن ’’الهجرة كانت من المحطات الأساسية في حياة والدها، حيث اضطرّ إلى الخروج من العراق إلى الكويت بعد استشهاد محمد باقر الصدر عام 1980، وكان محكوم عليه بالإعدام غياباً، ومن هنا انشقّ عن حزب الدعوة وانتمى إلى مدرسة الإمام الخميني. ثم اضطرّ أيضاً إلى الخروج من الكويت لأن سلطاتها لاحقته، فهاجر مرّة أخرى إلى إيران حيث التحق بالجبهات العسكرية‘‘.

وبحسب ما كشفت منار، فإن هدف الشهيد المهندس كان ’’مواجهة نظام البعث والطغيان الذي كان يجري أولاً على الشعب العراقي في الحرب الظالمة، ومن ثمّ على الشعب الإيراني‘‘.

وعند انتهاء الحرب بدأت العمليات في العراق، حيث كان قيادياً في فيلق بدر وكان مسؤولاً عن عدة عمليات مثل استهداف القصر الجمهوري، اغتيال عديّ صدّام حسين، استهداف مقرّ قاعدة حبيب التابعة لمجاهدي خلق في العراق‘‘، مشيرة إلى أن ’’علاقة والدها المباشرة بالشهيد قاسم سليماني بدأت عندما قاد فيلق بدر نهاية التسعينيات‘‘.

وتخلى المهندس عن قيادة فيلق بدر وعضوية المجلس الأعلى قبل أشهر من الغزو الأميركي للعراق، لأنه، وفق ابنته، ’’كان يعارض الاحتلال الأميركي وإسقاط النظام من خلال واشنطن التي جوّعت الشعب العراقي واستخدمت كل أنواع الأسلحة ضده، وساندت صدّام حسين‘‘، لافتةً إلى أن ’’المهندس لم يقبل باحتلال بلده، وكان يعتبر أن التغيير يجب أن يتم على يد الشعب العراقي نفسه‘‘.

وكشفت ابنة الشهيد المهندس أن ’’تشكيل فصائل المقاومة بدأ بمجرد دخول أميركا العراق وإعلان احتلالها، حيث أشرف والدها على تأسيس معظم هذه الفصائل، وكان في هذه المرحلة خلف الستار‘‘، مؤكدةً أنه ’’كان على علاقة بكل الأفرقاء السياسيين فيما يخص ترتيب الحكم، اختيار رئيس الوزراء، ترتيب الانتخابات، التحالفات السياسية والتحالف الشيعي، وكان دوره رئيسياً‘‘.

وأصبح المهندس نائباً في البرلمان العراقي عام 2006، وبعد عام، منعت أميركا دخوله إلى العراق بعد أن كشفت صلته بفصائل المقاومة وطلبت اعتقاله وأدرجت حينها اسمه على قائمة الإرهاب، لكن ظلّ يتردد إلى البلاد بشكل سرّي كل الفترة، وفق منار، وحافظ على علاقته أيضاً مع كل الفرق السياسية سواء شيعة، أكراد، سنّة، كرد.. كما كان له دور رئيسي في ترتيب اتّفاقية وضع القوات بين أميركا والعراق، وانسحاب القوات الأميركية، وبعد 2011 دخل بشكل حرّ وبرز اسمه عندما أسس الحشد الشعبي عام 2014.

تزوج المهندس بزوجته العراقية النجفية في الكويت عام 1982، ولم تكن زوجته بعيدة عن أجواء الشهيد، وعرفت أنه مجاهد، وأنه محكوم عليه بالإعدام، وقبلت بهذا الأمر، وبقيت مرافقة له في كل الأزمات، وفق ابنتهما.

وقالت منار: وفاء والدتي تجاه والدي استمر، ونحن استمددنا الصبر منها، ووالدي كان يقول أمكم شجاعة، وهي كل شيء‘‘.

أمّا عن البعد الإنساني للشهيد أبو مهدي المهندس، قالت ابنته: ’’نحن عرفنا الدنيا من والدي، عرفنا الحق والباطل منه، كان حنون جداً، وكان السند، هو الذي كان يشدّ أكتافنا، هو الذي كان يُضحكنا إلى أن تجري الدموع، هو كان كل شيء، هو الأب، هو الحبيب، هو الرفيق، هو الوفي، هو المخلص‘‘.

22

إقرأ المزيد 

قناة سعودية تسيء للشهيد المهندس والعراق يطالب بالاعتذار