كان الكثير من المحللين ووسائل الإعلام يعتبرون ترامب بقراراته وإجراءاته المختلفة حيال مختلف القضايا الإقليمية، بأنه أكبر داعم لإسرائيل وبعض الأنظمة العربية في المنطقة. وعلى هذا، فإن وسائل إعلام هذه الدول، كانت تدعم ترامب في الانتخابات الرئاسية حتى آخر اللحظة تماشيا مع وسائل الإعلام التابعة للجمهوريين في أمريكا نفسها.
في هذا الصدد، فإن موقف إسرائيل التي تتابع الانتخابات الأمريكية عن كثب وبمنتهى العناية والدقة، لافت. وفي خضم حملة الانتخابات الرئاسية في أمريكا، كانت بعض التيارات المتطرفة والصهيونية تدعم ترامب بشكل علني من خلال تنظيم حملات وفعاليات انتخابية في الأراضي المحتلة على غرار مؤيدي ترامب في الولايات المتحدة. وحتى رؤساء المستوطنات الصهيونية قاموا بإقامة صلوات تلمودية من أجل فوز ترامب. و من الطبيعي، أن هذه الإجراءات في دعم ترامب، لم تكن تحصل دون الضوء الأخضر من قبل السلطات الحاكمة في إسرائيل. وأضف إلى ذلك، فإن الإسرائيليين لم يقوموا بأي عمل دعما للمرشح الديمقراطي في الانتخابات، جو بايدن.
بعد ظهور تباشير فوز بايدن في أفق الانتخابات، قام المسؤولون ووسائل الإعلام الإسرائيلية بتغيير موقفهم دعما لجو بايدن. وحسب ما أعلنت عنه صحف إسرائيلية كصحيفة “إسرائيل هيوم” و “جروزاليم بوست” وكما كان تظهر من تصريحات بعض المسؤولين الإسرائيليين، فإن هدفهم في هذه المرحلة يتمثل في القيام بتأليب بايدن ضد إيران وإثارة المواجهة بين الإدارة الأمريكية المقبلة وطهران.
فيما يتعلق بتوجهات بايدن المنحازة لليهود والصهاينة، فإنه لا شك في انحيازه هذا، ذلك أنه عندما كان نائب الرئيس الأمريكي في فترة رئاسة باراك أوباما، قام بزيارة إلى الأراضي الفلسطينية معلنا دعمه العلني للكيان الصهيوني ومخططاته، إلا أنه في المرحلة الراهنة، فإن تل أبيت تشعر بقلق من وصول بايدن إلى السلطة في الولايات المتحدة ومن ثم، احتمالية تقليل دعمها للمخططات والسياسات الإسرائيلية وتخفيض مدى عداء أمريكا لإيران، وعلى هذا، فإنه من الآن فصاعدا، أخذت إسرائيل والسعودية تحاولان جاهدًا لاستفزاز بايدن وتحريضه ضد إيران وإقناعه بأنه يجب ألا يقلل من حجم الضغوط والسياسات المعادية لإيران والتي اعتمدتها الإدارة الأمريكية برئاسة دونالد ترامب.
في إطار هذا السيناريو، يحاول الصهاينة استدراج بايدن نحو معسكرهم وتحويله إلى أحد اللاعبين داخل سيناريوهاتهم ومن ثم، منع بلورة أي نظرة إيجابية فيه تجاه إيران والحيلولة دون إمكانية عودته إلى الاتفاق النووي (خطة العمل المشترك الشاملة). وتحقيقا لهذه الغاية، فإن وسائل الإعلام والمسؤولين الإسرائيليين وكذلك السعوديين، يدلون خلال هذه الأيام بتصريحات تُفسّر في إطار سيناريو تأليب بايدن ضد إيران وإثارة الخلاف بين طهران والإدارة الأمريكية الجديدة.
التصريحات التي أدلت بها مؤخرا رئيسة فرع “الحزب الديمقراطي” في إسرائيل “هدار استون” تأتي في هذا الإطار حيث قالت وفقًا لقناة “i24” الإسرائيلية أن “جو بايدن صديق حقيقي لإسرائيل وهو صهيوني منذ نشأته في البيت”.
المسؤولون الإسرائيليون يدلون بتصريحات كهذه، فيما أن وسائل إعلامهم كانت تدعم بشكل مستميت قبل الانتخابات وحين إجراؤها دونالد ترامب حتى آخر لحظاتها وكان الحاخامات الصهاينة يقومون بصلوات تلمودية من أجل فوز دونالد ترامب.
وفي إطار نفس السيناريو، يحاول المسؤولون والمراكز الصهيونية، تسليط الضوء على الملف النووي الإيراني وإيحائه كخطر للمنطقة برمتها وحتى إنهم يتجاوزون في هذا السيناريو حدودهم ويهددون بصفاقة بأنه في حال عودة بايدن إلى الاتفاق النووي (خطة العمل المشترك الشاملة) فاحتمال اندلاع حرب بين إيران وإسرائيل وارد، وما أعلنه معهد ستراتفور في تقرير له بأن فوز بايدن في الانتخابات من شأنه أن يؤدي إلى اندلاع حرب بين إسرائيل وايران، يفسر هذا الرأي، كما أن وزير المستوطنات الإسرائيلي “تساحي هنغبي” زعم أخيرا محذرا بايدن بأنه “في حال قرر المرشح الديمقراطي للرئاسة الأمريكية العودة إلى اتفاق إيران النووي، بعد انتخابه رئيسا، فانطلاق حرب بين إيران وإسرائيل أمر غير مستبعد.”
وبناء على ما أشير إليه أعلاه، فإن الصهاينة والسعوديين يبذلون في المرحلة الراهنة، قصارى جهدهم لترويج سيناريو “شيطنة إيران” والترهيب منها في محاولة لتحريض الإدارة الأمريكية المقبلة لمواصلة سياسات ترامب المهزوم والفاشل ضد إيران وعدم عودتها إلى الاتفاق النووي.
جلال جراغي
الباحث في الشؤون السياسية الإقليمية
رأي اليوم