بين أنقاض غزة، تحاول واشنطن أن تُسوّق ما تسميه «جولة السلام»، لكن شعوبَ غرب آسيا ترى الحقيقة واضحة: اليد التي سلّحت المحتلّين بالأمس، ترفع اليوم راية الدبلوماسية الكاذبة.  

إيران برس - تقارير: في اليوم الذي عمّ فيه خبرُ الإفراج عن مئات الأسرى الفلسطينيين وتبادلِ الأسرى بين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) والكيان الصهيوني أنحاءَ فلسطين المحتلة، وصل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى القدس المحتلة ليلقي كلمة في جلسة خاصة للكنيست.  

بلهجةٍ مفعمة بالتمجيد قال: *«إسرائيل تمتلك كلّ ما تحتاجه للدفاع عن نفسها». وبعد ساعاتٍ توجّه برفقة مسؤولين أمريكيين إلى شرم الشيخ في مصر للمشاركة في مؤتمرٍ سمّاه البيت الأبيض «سلام غرب آسيا» بمشاركة وفودٍ من مصر والأردن والسعودية والإمارات والاتحاد الأوروبي، وقد وصفته وسائل الإعلام الغربية بـ«التاريخي».  

لكن خلف هذا المشهد البرّاق، كانت الحقيقة مغايرة تماماً:  
في الوقت الذي أُفرِج فيه عن ألفَي أسيرٍ فلسطيني من سجون الاحتلال وسُلِّم سبعةٌ وتسعون إسرائيلياً للمقاومة، كانت غزة لا تزال تختنق تحت الردمِ ونقصِ الدواء والغذاء.  
ومنذ حرب أكتوبر ٢٠٢٣، استُشهِد أكثر من سبعين ألف فلسطيني بينهم خمسةٌ وعشرون ألف طفل وثمانيةُ عشر ألف امرأة، وفق بيانات وزارة الصحة في غزة ومكتب الأمم المتحدة OCHA.  

رحلة ترامب من الكنيست إلى قصور البحر الأحمر كشفت زيف ادّعاء واشنطن بصناعة السلام، وأعادت التذكير بالحقيقة التي تكرّرها المقاومة الفلسطينية:  
"السلام الحقيقي لا يُبنَى إلاّ بزوال الاحتلال، لا حين يُعاد كتابة السيناريو بأقلام داعميه."

تصفيق أعضاء الكنيست تجاوزَ جدران القاعات؛ كان صداه تناقضَ رجلٍ يقود أطول حروب المنطقة، بتمويلٍ وسلاحٍ و«فيتو» أمريكيٍّ متواصل.  

كل صاروخٍ دمّر مستشفى أو ملجأً في غزة كان يحمل توقيع الصناعات الصهيونية، لكن بختمِ الموافقة من صانعي القرار في واشنطن.  
فلم يبدأ الكيانُ الصهيوني يوماً عدواناً واسعاً من دون الضوء الأخضر الأمريكي — حقيقة موثّقة لا خلافَ عليها.  

من الأراضي المحتلة إلى شرم الشيخ، ظلّت مفردات ترامب واحدة: تمجيد «أمن إسرائيل»، تجاهل المساءلة، وصمتٌ مطبق عن الدمار في غزة.  

الصور كانت مزيّفة: مواكب مدرّعة وأعلامٌ مُرفرفة وبياناتٌ عن «المصالحة».  
أمّا الواقع فكان مسرحاً سياسياً محكماً لتبييض دور أمريكا وتلميع صورتها كـ«وسيطٍ نزيه» في مأساةٍ كانت هي المموّلَ الأولَ لها.  

قبيل دخوله فنادق شرم الشيخ الفاخرة، أعلن ترامب من على منبر الكنيست:  
«إسرائيل حصلت على كل أدوات الدفاع عن نفسها».  
بالنسبة لكثير من المراقبين في المنطقة، كان هذا التصريح وما تلاه من عرض سلامٍ، مجرّد إعادة ترتيبٍ للقوة في ثوبٍ أخلاقي زائف.  
فالجمهوريّون والديمقراطيّون على السواء، أبقوا آلة الحرب الصهيونية حيّةً بالسلاح والمعلومات والفيتو.  

ما لم تلتقطه عدسات شرم الشيخ هو وجوه العائلات النازحة في "دير البلح" ووجوه الأيتام وسط رماد "رفح".  

سلامٌ يُعلن من المنصّات ويُهمِل العدالة ويُشرعن الاحتلال، لا يمكن أن يولد أبداً.  

في البيانِ الختامي للمؤتمر غابت العدالةُ تماماً، وحضرت الأجندةُ الأمريكية بعناوينها المعتادة: "التطبيع، السيطرة على الموارد، كبح محور المقاومة."  

قد تروّج حملة ترامب الحدث على أنه «نصرٌ للقيادة»، لكن التاريخ سيسجّله كـلحظةٍ حاولت فيها قوّةٌ غارقةٌ في دماء شعوب غرب آسيا أن تؤدّي مشهد التوبة من دون توبة.  

ورغم الدخان والعروض السياسية، يبقى صوتُ الشعب الفلسطيني أعلى: شعبٌ محاصرٌ جريحٌ لكنه صامد، يواجه كلَّ اتفاقاتٍ كُتبت فوق رأسه.  
فلا عرضٌ دبلوماسيٌّ قادرٌ على إخفاء الحقيقة:  
"الوسيطُ المزعوم للسلام هو ذاتُه مهندسُ الحرب."  

الكاتب : أحمد شيرزاديان

kobra aghaei