آخر استطلاعات الرأي حول الانتخابات الرئاسية في أمريكا تدلّ على تقدم المرشح الديمقراطي، جو بايدن، أمام منافسه الجمهوري، دونالد ترامب.

إيران برس - إيران:  وفي الوقت الراهن يسير دونالد ترامب وجو بايدن جنبًا إلى جنب في ست ولايات رئيسية، هي: فلوريدا، وبنسلفانيا، وميشيغان، وكارولينا الشمالية، وويسكونسن، وأريزونا.
وعلى الرغم من أن المسؤولين الإيرانيين منهم المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية “سعيد خطيب زاده”،  أعلنوا أن أيًا من المرشحين الأمريكيين لا يحظيان بالأولوية التفضيلية لدى إيران، فإن كثيرًا من المحللين والخبراء السياسيين خلال الأيام والأسابيع الماضية أدلوا بتصريحات مختلفة عن المرشحين وأن أيًا منهما موضع تفضيل لدى إيران.

يبدو أن الخلاف بين الخبراء والمحللين السياسيين حول هذا الموضوع نابع من الغموض الذي يحيط بموقف التيارات السياسية في إيران إزاء الموضوع، ذلك أنه يبدو أن هناك خلافًا بين التيارات السياسية في إيران انطلاقًا من التيارات الإصلاحية والمنتقدة مرورًا بالمعتدلة والأصولية وصولاً إلى المعارضة في خارج البلاد والتي ترغب في إسقاط النظام الإيراني.

كما يبدو أن التيارات المسماة بالإصلاحية والمنتقدة وعلى حد تعبيرها “المختلفة”، وكذلك تيارات معتدلة وشخصيات ومسؤولين في الحكومة الإيرانية الراهنة برئاسة الشيخ “حسن روحاني” يفضلون جو بايدن. وبناءً على هذا الافتراض، فإن هؤلاء يعتقدون أنه في حال فاز جو بايدن في الانتخابات الرئاسية، فإنه سيعود إلى خطة العمل المشترك الشاملة (الاتفاق النووي) التي كانت حصيلة مفاوضات طويلة الأمد للحكومة الإيرانية الراهنة، مثلما أكده في وعوده الانتخابية، وفي النتيجة، فإن اقتصاد البلاد سيشهد تحسنًا وتطورًا.

في المقابل، فإن التيارات والأحزاب المسماة بالأصولية في إيران تعتقد أن ترامب كشف المستور عن الأيدي الأمريكية الحديدية المختفية تحت قفازات مخملية وأنه أظهر الوجه الحقيقي لأمريكا للعالم وأثبت أن النظام الحاكم على أمريكا عدو لإيران ولجميع الشعوب المضطهدة على الصعيد العالمي وانطلاقًا من هذا، فإن إيران لا يمكنها الدخول في سلام مع هذا النظام.

وفي هذا السياق، فإن الأشخاص والجماعات المقيمة في خارج البلاد التي تعارض نظام الجمهورية الاسلامية في إيران وترغب فيإطاحة النظام في إيران، تفضل ترامب على بايدن بسبب سياساته في ممارسة الضغوط القصوى التي - حسب زعمها- أدت لحد الآن إلى انهيار الاقتصاد الإيراني.

الخلاف بين الخبراء والمحللين السياسيين في هذا الموضوع متأثر بوجهات نظر هذه التيارات السياسية، إذ إن بعض هؤلاء الخبراء يعتبرون فوز ترامب في الانتخابات بأنه سيصبّ في مصلحة إيران في المستقبل البعيد ومن المنظار الاستراتيجي. ويجادل هؤلاء في حجتهم بأن فوز ترامب في الانتخابات معناه استمرار الشقاق والخلاف بين أمريكا والدول الغربية وكذلك استمرار تحدياته وصراعه مع بعض الدول، لا سيما مع المنظمات والمؤسسات الدولية مما سيؤدي في نهاية الأمر إلى تقويض مكانة أمريكا ونفوذها في المعادلات الدولية.

وعن إمكانية فوز بايدن وعودته إلى الاتفاق النووي، يذهب هؤلاء الخبراء إلى أن بايدن لن يعود إلى هذا الاتفاق بسهولة بل سيضع شروطًا مسبقة في هذا المجال وفي رفع إجراءات الحظر المفروض على إيران وأنه قد يعمل على تدارك الشقاق والشرخ الذي أحدثه ترامب حيال إيران على الصعيد العالمي ومن ثم يحقق الوحدة ضد طهران.

وفيما يتعلق باستمرار سياسة الضغوط القصوى الأمريكية ضد إيران، فإن هؤلاء الخبراء يعتقدون أن آلية الحظر لن تجدي نفعًا، ذلك أنه لم يبق مجال وشيء لم تشمله إجراءات الحظر الأمر الذي اعترف به أحد المسؤولين الأمريكيين موخرًا قائلًا إنه لم يبق هناك شيء لحظره على إيران. وبالتالي، فإن الحظر فقد فاعليته بشكل تلقائي. أضف إلى ذلك، فإن إجراءات الحظر ضد إيران أدّت - وإن كان بصعوبة وبشقة - إلى ابتعاد إيران عن الاعتماد على عائدات النفط الخام والتوجه نحو صناعاتها الداخلية.

وفيما يتعلق بالسياسة الخارجية، ستحوّل إيران - في حال فوز ترامب -  محور سياساتها الخارجية من الغرب إلى آسيا الشرقية وتحديدًا إلى الصين، وعلى هذا فإنها ستنأى بنفسها عن الغرب وستتجه نحو بلورة تحالف مع الصين مما سيسبب في نهاية الأمر تحول الصين إلى قوة أقوى وهذا ما بات يعتبر أحد مخاوف الدول الغربية من سياسات ترامب في هذا المجال.

 كما يعتقد هؤلاء الخبراء أن أمريكا سواءً فاز ترامب في الانتخابات أو بايدن، لن تتخلى عن بعض سياساتها المبدئية والمحددة مثل دعمها للكيان الصهيوني، وتحديدًا هنا فإن إيران في المقلب الآخر لن تتخلى عن سياستها المبدئية حول كون إسرائيل محتلة ومعتدية وكذلك الذود عن  حقوق الشعب الفلسطيني الأمر الذي سيحول دون تسوية خلافها مع أمريكا.

كما أن هؤلاء المحللين على قناعة بأن ترامب سيستمر - كما هو الحال- في حلب بعض الدول العربية إزاء بيع الأسلحة لها مثل طائرات إف- 35، دول لا تستطيع حتى استخدام هذه الأسلحة. بالإضافة إلى ذلك، فإن ترامب بسبب سياساته في دفع هذه الدول إلى تطبيع علاقاتها مع إسرائيل، سيسبب في فقدان هذه الدول خاصةً السعودية  مكانتها ومصداقيتها أمام الرأي العام العربي والإسلامي ما سيجعل إدارتها للحرمين الشريفين موضع استفهام وتشكيك، وفي النتيجة سيؤدي هذا إلى تعزيز مكانة إيران وجعلها الداعمة الوحيدة لقضايا الأمة بما في ذلك القضية الفلسطينية.

وفي المقلب الآخر، فإن الخبراء السياسيين الذين يفضلون بايدن على ترامب على اعتقاد بأنه نظرًا لمبدأ “صديق عدوي، عدوي” فإن ترامب يعتبر صديقًا لإسرائيل وهو الداعم الرئيس للصهاينة بحيث يعتقد البعض أنه ليس شخصًا مستقلًا بل ألعوبة بيد الصهاينة وعلى هذا، فإنه لا يمكنه الدخول في سلام ومصالحة مع إيران وقد يؤدي استمرار حضوره في البيت الأبيض إلى مواجهة عسكرية مع إيران. أضف إلى ذلك، فإن إسرائيل والسعودية باعتبارهما عدوين لإيران تشعران بقلق عميق من إمكانية فوز بايدن فإنه على أساس مبدأ “ما يجعل العدو قلقًا فهو باعث للفرح”، فإن فوز بايدن أفضل بالنسبة لإيران كما أنه حسب تصريحاته الانتخابية سيعود إلى الاتفاق النووي الأمر الذي سيؤدي إلى ازدهار الاقتصاد الإيراني.

وفي سياق السياسة الخارجية، فهؤلاء يعتقدون أنّ بايدن وإن كان سيدعم إسرائيل والسعودية إلا أنه في بعض القضايا مثل قضايا حقوق الإنسان سيضغط على السعودية ولن يدعم ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وسياساته الإقليمية.

الخبير في الشؤون الإعلامية والسياسية

د. جلال جراغي

22