ايران برس_آراء: خلال السنوات القليلة الماضية كانت الصين عملت على توسيع علاقاتها الاقتصادية مع دول منطقة الشرق الأوسط. وفي هذا الاتجاه، فإن السعودية والإمارات العربية تعتبران شريكتين تجاريتين للصين في المنطقة كما أن روسيا هي الأخرى بعد الأزمة الأوكرانية أقدمت على إبرام مختلف الاتفاقيات الطويلة المدى لمدة 20 أو 30 عاماً مع الصين بقيمة مئات المليارات من الدولار، بالإضافة إلى أن الصين والعراق تجمعهما علاقات اقتصادية واسعة في المجال النفطي كما أن بكين تربطها علاقات استراتيجية مع باكستان.
وحول أهمية البرنامج الشامل للتعاون المشترک بین إيران والصین والأهمية التي تحظى إيران بالنسبة للصين يمكن أخذ النقاط التالية بعين الاعتبار:
أولا، أن أهمية هذا الاتفاق لإيران ناتجة من أن إيران ليس لها أي شريك تجاري وسياسي وأمني على المستوى العالمي، وفي المقلب الآخر أيضا أن الصين على الرغم من أن هناك شراكة تجارية تجمعها مع جملة من الدول إلا أنه ليست لها شراكة سياسية وأمنية وعسكرية مع أحد على المستوى العالمي.
ثانيا، إن الشركاء التجاريين للصين في العالم مثل السعودية والإمارات وباكستان يقفون في الخندق الأمريكي من حيث التوجهات السياسية ويتبعون أمريكا في أروقة الأوساط الدولية وفي الواقع فإن هذه الدول تعتبر في الوهلة الأولى حليفة لأمريكا حيث تقوم بإذن وضوء أخضر من أمريكا بالتجارة مع الصين.
ثالثا، إن إيران مقارنة بالدول الأخرى التي تجمعها شراكة تجارية مع الصين، تتمتع باستقلالية سياسية واستقلالية في القرار، وفي هذا الإطار وصلت الصين إلى هذه القناعة بأن إيران ليست مثل السعودية أو العراق تتنازل عن مواقفها ومبادئها المحددة نتيجة ممارسة ضغوط غربية ذلك أن العراق في ولاية رئاسة وزراء “عادل عبدالمهدي” قام بالتوقيع على اتفاق مماثل بقيمة 400 مليار دولار إلا أنه بسبب الضغوط الأمريكية لم تتم ترجمته على أرض الواقع وكلام مستشار قائد الثورة الاسلامية ومسؤول ملف التعاون الاستراتيجي بين إيران والصين “علي لاريجاني” في استقباله وزير الخارجية الصيني “وانغ يي” يفسر هذه الحقيقة حيث أكد الأول أن إيران تتخذ قرارها في إقامة علاقاتها مع باقي الدول باستقلالية وليست كبعض الدول التي تغير موقفها نتيجة اتصال هاتفي.
وقد كان كلام علي لاريجاني هذا ردا على هواجس الجانب الصيني في هذا المضمار حيث أشار وزير الخارجية الصيني هو الآخر إليها قائلًا إنّ العلاقات بين الصين وإيران لن تتأثر بالظروف السائدة بل إنها ستكون دائمة واستراتيجية.
وقد يكون أحد الأسباب التي دفعت الصين في هذا التوقيت للتوقيع على هذا الاتفاق هو أن الصينيين كانوا يترقبون قوة إيران في التحلي بالصمود والمقاومة أمام ضغوط الغربيين ومن ثم التحقق من قوة إيران في هذا المجال حيث وصلوا الى هذا الاستنتاج بأن إيران لن تتنازل عن مبادئها المبدئية وليست كبعض الدول التي تغير موقفها ومبادئها نتيجة ممارسة ضغوط.
رابعا، إن الصين عطشانة للموارد النفطية والغازية وفي هذا الإطار فإن إيران هي ثاني أكبر دولة تمتلك الموارد الغازية بعد روسيا التي هي الأخرى أبرمت اتفاقات طويلة المدى مع الصين، كما أنها رابع أكبر دولة تتملك المصادر النفطية.
خامسا، إن الفرق الذي يميز إيران عن باقي دول المنطقة لإبرام مثل هذه الاتفاقيات هي أنها إضافة إلى الموارد النفطية والغازية، تمتلك موارد عظيمة أخرى ومختلف المجالات الواسعة للاستثمار، إضافة الى مكانتها الجيوسياسية والاستراتيجية في المنطقة.
سادسا، إن إيران تعتبر إحدى الدول الكبرى الرئيسية على المستوى الإقليمي لما تتمتع بمقومات عسكرية وأمنية ومقارنة بالدول الإقليمية الأخرى بإمكانها الاضطلاع بدور حليف وازن للصين أمام محور الغرب.
سابعا، إن إيران من حيث المقاربات السياسية والثقافية قريبة من الصين ويسود تناغم بينهما فيما أن الغربيين على مدى التاريخ تعاملوا مع إيران من منطق الغطرسة والتنمر وكانوا يحاولون فرض سياساتهم الاستعمارية على المنطقة بما في ذلك على إيران. وعليه فإن الغرب غير موثوق به لإيران فإن الغربيين خاصة الأمريكيين والبريطانيين منهم نكثوا مرات بعهودهم والتزاماتهم الدولية حيال إيران وعلى هذا فإن إيران وضعتهم جانبا و بطبيعة الحال مؤشر على حماقة الغربيين الذين بذروا بأيديهم بذور حلف آسيوي بين دولها. وفي هذا الإطار، توصلت طهران إلى هذه القناعة والحقيقة بأن الغرب لن يتخلى عن عدائه ضد إيران بل سيستمر في هذا العداء لأسباب مختلفة منها نفوذ الصهاينة في مراكز قراره واستمرار حلب بعض الدول الإقليمية وتحريضها ضدها وبناء على هذا فإن إيران ومن خلال توقيعها على هذا الاتفاق أطلقت رصاص الرحمة على إجراءات الحظر الأمريكي وسياساتها المتعجرفة حيالها وبطبية الحال فإنه على الغربيين أن يشعروا حاليا بالقلق إزاء هذا الاتفاق.
وفي السياق نفسه، فإن إيران لم تعد بحاجة إلى اتفاقات مثل الاتفاق النووي وبشكل رئيسي للغربين ذلك أن مسار إيران من خلال التوقيع على هذا الاتفاق سيتغير باتجاه آسيا الشرقية وعلى هذا فإن يوم التوقيع على هذا الاتفاق يعتبر يوما حزينا للغربيين.
د. جلال جراغي
الباحث في الشؤون الإعلامية والسياسية الإقليمية