قضية تطبيع العلاقات بين الدول العربية والاحتلال الإسرائيلي تحولت إلى أحد مواضيع الرئيسية المثارة في وسائل الاعلام، حيث كانت معظم التكهنات تشير إلى أن التطبيع بين إسرائيل مع البحرين أو المغرب سيعلن قريبًا إلا أنه جاء الكشف عن تطبيع العلاقات السرية بين الامارات وإسرائيل قبل الدول العربية الأخرى مفاجئًا لكثير من المتابعين ووسائل الإعلام.

ايران برس -الشرق الأوسط : السؤال الذي يطرح نفسه بقوّة هو سبب اختيار إسرائيل لدولة الإمارات العربية المتحدة كخطوة أولى في مسار تطبيع علاقاتها مع الأقطار العربية، وللإجابة عن هذا السؤال ينبغي الإشارة إلى أسباب معلنة أو خفية دفعت الاحتلال الإسرائيلي ومن ورائه واشنطن إلى الإسراع في تنفيذ خطوتها هذه في المرحلة الخطيرة الراهنة.

ـ السبب الأول: في أولوية الإمارات العربية المتحدة بالنسبة لإسرائيل قبل الدول العربية الأخرى يرجع إلى موقع الإمارات المميّز والإستراتيجي من الناحية الاقتصادية والأمنية وكذلك من ناحية الجغرافيا السياسية على المستوى الإقليمي، الأمر الذي تفقده باقي الأقطار العربية الإقليمية، وانطلاقًا من هذا الموقع، فإن الإمارات تحولت إلى وجهة اقتصادية وسياحية على الصعيد الإقليمي والدولي، خاصة بين شرق أفريقيا والشرق الأوسط وجنوب آسيا، وعلى هذا، فإن إسرائيل عملت بشكل دؤوب على استغلال هذا الموقع الإماراتي المهم لتحسين أوضاعها الاقتصادية والتجارية قبل كل شيء في خطوة تأتي للتأثير على موقع رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو” وإنقاذه من أزمة تعصف بفلسطين المحتلة بسبب تدهور الوضع الاقتصادي وكذلك تفشي فيروس كورونا ما أصبحت ضغثًا على إبالة بالنسبة إليه الذي يواجه أصلًا قضايا فساد.

ـ السبب الثاني: في أنه أصبحت الإمارات في سلم أولويات الكيان الإسرائيلي والحكومة الأمريكية، يعود إلى استراتيجية “المواجهة” بين إيران والإمارات العربية المتحدة التي تبناها الكيان الإسرائيلي والولايات المتحدة، وهو سبب في غاية الأهمية بالنسبة لواشنطن وتل أبيب، ذلك أنهما على دراية بأن قضية التطبيع العلني ستجعل الإمارات في مواجهة مع إيران وبالتالي، فمن الممكن لهما تحقيق هدفين في آن واحد، والهدف الأول يتمثل في حرمان إيران من موقع الإمارات الجغرافي والسياسي والتجاري والاقتصادي خاصة في ظل ظروف الحظر الأمريكي الراهن ضد إيران بهدف تجويع الشعب الإيراني وخنقه، ذلك أن الإمارات وخاصة مدينة دبي تشكل منفذا مهما بالنسبة لإيران لالتفاف على إجراءات الحظر الأمريكي وانطلاقًا من هذا، دخل الكيان الصهيوني على خط إغلاق هذا المنفذ بوجه إيران. والهدف الثاني هو أن الكيان الصهيوني هو يدفع الإمارات نحو مزيد من المسايرة والتنسيق مع سياسات السعودية المناهضة لإيران على المستوى الإقليمي والدولي، ذلك أن ابوظبي بما تتمتع من طاقات وموارد مالية لا تتماشى في سياساتها المناهضة لإيران مع ما تنتهجه السعودية من سياسات أكثر عدائية ضد طهران بل تحافظ على علاقاتها مع طهران. ويبدو أن السلطات الإماراتية أدركت هذا الجانب من الأهداف الإسرائيلية بسبب تجنبها عن الإدلاء بتصريحات استفزازية ردًا على انتقاد طهران مقاربتها هذه، ومن المتوقع أن تتجنب في المستقبل أيضا عن الإدلاء بتصريحات لا تصب إلا في مصلحة إسرائيل وأمريكا وكذلك من المتوقع أن ألا تقم بأعمال تلبي طموحات الكيان الإسرائيلي وتحقق أهدافه وإلا فإنها ستكون الجانب المتضرر في هذه المعادلة البغيضة.

– والسبب الثالث: في أن الإمارات كانت على صدر اهتمام الكيان الصهيوني قبل باقي الأقطار العربية هو أنه هناك خلافات ومنافسات تسيطر على العلاقات الثنائية بين السعودية والإمارات على الساحة الإقليمية خاصة في اليمن، وأرادت تل أبيب  بهذه المبادرة اللعب على وتر هذه الخلافات التي تطل برأسها من حين لآخر في محاولة لاستفزاز السعودية لاتخاذ خطوة مماثلة ذلك أن قضية التطبيع ستؤدي إلى توسيع العلاقات الاماراتية- الإسرائيلية أكثر فأكثر على حساب السعودية في المنطقة وبالتالي وإن الأخيرة ستحاول القيام بإجراءات تقربها من تل أبيب  والولايات المتحدة، وفي نهاية المطاف، فإنها (السعودية) قد تبادر باتخاذ خطوة مماثلة لخطوة الإمارات في الإعلان عن تطبيع علاقاتها مع الكيان المحتل متجاهلة تحفظاتها فيما يتعلق بالتطبيع في إطار مبادرة السلام العربية وباقي شروطها. هذا وفي المقلب الآخر يخطط الاحتلال الإسرائيلي لاستغلال المواجهة والمنافسة التي ستترتب عن هذه الخطة المقيتة للقيام بفرض ضعوط على الدول العربية الأخرى بما في ذلك دولة قطر لإبرام اتفاق السلام معها.

ـ والسبب الرابع: في أن الإمارات كانت في مرمى محاولات الكيان الصهيوني للتطبيع قبل الآخرين، هو أن الظروف التي تمر بها الامارات مختلفة تمامًا عما تمر بها باقي الدول العربية وعلى سبيل المثال ولا الحصر، فإن البحرين مقارنة بالامارات تفتقد لظروف مسيطرة على الأخيرة ذلك أن البحرين كانت من أوائل الدول التي عصف بها الحراك الشعبي المسمى بـ“الربيع العربي” عام 2011 وشهدت مظاهرات حاشدة احتجاجًا على سياسات نظامها المستبد ضد شعبها إلا أن هذا الحراك تم السيطرة عليه وقمعه بمساعدة من قوات السعودية، وعلى هذا، فإنه لو جعل الكيان الإسرائيلي البحرين مع الأخذ بنظر الاعتبار ظروفها هذه، في سلم أولوياته فلم تأتي بنتائج يحققها من التطبيع مع الإمارات بل كانت تشكل مثل هذه الخطوة سببًا لإظهار التضامن والتعاطف العربي والإسلامي مع الشعب البحريني الذي يشكل الشيعة الأكثرية فيه، فبالتالي كانت تشعل شرارة نار احتجاجات ومظاهرات شعبية قد تمتد إلى السعودية أيضا.

ـ والسبب الخامس: في أن الإمارات كانت بالنسبة للكيان الإسرائيلي تحظى بأهمية قصوى في إعلان التطبيع يعود إلى خلافات حدودية تسيطر على مشهد العلاقات الإماراتية- الإيرانية، ونظرًا لهذه القضية، أراد الكيان الصهيوني اللعب على وتر هذه الخلافات ومن ثم إثارة الفتنة الطائفية والعرقية بين البلدين من خلال إثارة هذه القضية وتضخيمها ومن ثم تأليب الدول والشعوب العربية على إيران في محاولة لاستغلال الأراضي الإماراتية من خلال إنشاء قواعد ومقرات فيها لرصد الأراضي الإيرانية.

– والسبب السادس: يرجع إلى الطموحات الإقليمية لحكام الامارات العربية المتحدة في جعل الإمارات تتحول إلى دولة الوساطة بين كل من الدول الإقليمية من ضمنها إيران مع الدول الغربية، وانطلاقًا من هذا التصور الخاطئ، تتحول الإمارات إلى دولة تقوم بدور إقليمي يشبه ما تقوم به الآن سلطنة عمان.

‫مقال مأخوذ من رأي اليوم بقلم : د. جلال جراغي باحث في الشؤون السياسية والإعلامية